
بكلمات ترتجف ألمًا، تصف فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها تجربتها المروعة: “كنت أعيش في فيلم رعب مخيف، لم يكن زواجًا بل اغتصابًا يوميًا، تحت حراسة مسلحة.”
هذه ليست مجرد قصة فردية، بل صرخة مدوية تكشف عن واقع مظلم تعيشه مئات الفتيات في ولاية الجزيرة السودانية.
تتحول أحلام الطفولة إلى كوابيس، وتصبح الحياة سجنًا تحكمه بنادق الحرب.
الزواج بالإكراه: جريمة تحت مظلة السلاح
في قرية هادئة بولاية الجزيرة، اقتحمت قوات الدعم السريع منزل “سماح” (اسم مستعار).
تحت تهديد السلاح وإطلاق الرصاص، أُجبر والدها على توقيع وثيقة “زواج” لابنته المراهقة من قائد بارز في القوات. لم يكن هذا زواجًا، بل جريمة مكتملة الأركان بحق الطفولة والكرامة الإنسانية.
اقتُيدت سماح إلى مدينة ود مدني، حيث وجدت نفسها في منزل أشبه بالثكنة العسكرية. محاطة بنساء أخريات يعشن نفس المصير، تحولن إلى أدوات صامتة تعمل في المطبخ والتنظيف، لا صوت يعلو فوق صوت القهر.
“لقد اشتريتك بمالي، ومطلوب منك أن تصمتي.” بهذه الكلمات القاسية، كان “زوجها” يذكّرها يوميًا بواقعها المرير. عاشت سماح تحت حراسة مشددة، محاصرة بالصمت والتهديد، أيامًا تصفها بـ”الجحيم”.
مأساة تتكرر: الزواج القسري كسلاح حرب
قصة سماح ليست استثناءً، بل هي نموذج لحالات لا حصر لها تحدث في مناطق النزاع بالسودان. حيث يُستخدم العنف الجنسي والزواج القسري كأدوات لتدمير المجتمعات وإذلال ضحايا الحروب.
تشير تقارير حقوقية ومصادر حكومية سودانية إلى أن قوات الدعم السريع أجبرت عشرات الأسر على تزويج بناتهم القاصرات تحت تهديد السلاح.
رئيسة لجنة الانتهاكات بولاية الجزيرة، نهى جبارة، وثّقت (51) حالة اغتصاب لقاصرات، مؤكدة أن “الزواج القسري لا يُعد زواجًا شرعيًا، بل هو شكل من أشكال الاغتصاب”.
كما سجلت رئيسة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، سليمي إسحاق، أكثر من 1,385 حالة اغتصاب وعنف جنسي في مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير بسبب صعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة.
بصيص أمل في ظلمة القهر
بعد فترة قصيرة من هذا الكابوس، تمكنت عائلة سماح من استعادتها بمساعدة الأقارب. لكن الأثر النفسي لتلك الأيام لا يزال يلاحقها.
اضطرت سماح لترك الدراسة ومغادرة السودان، تاركة خلفها حلمًا بالعدالة.
وفي ختام حديثها، تقول: “كل يوم أحلم بالعدالة وأخذ حقي من ذلك المجرم.”
تُضاعف ظروف الحرب صعوبة توثيق هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
لكن معاناة هؤلاء الفتيات والنساء تضع مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لوقف هذه الجرائم وضمان العدالة لضحايا الحرب.
المصدر : رفقة عبدالله
الرائد