التحقيقات

طبيبة سودانية تحكي تفاصيل 3 أسابيع بمستشفى “البان جديد”..

الخرطوم: وكالات

“1”

من كان يتصور أن تدور الاشتباكات بالعاصمة الخرطوم وعدد من الولايات السودانية بين قوات الجيش والدعم السريع ودخلت هذه الاشتباكات اسبوعها الرابع الآن..

وطبيبة سودانية أسمها هويدا أحمد محمد الحسن تروي تفاصل ثلاثة أسابيع أمضتها في مستشفى “البان جديد” بمنطقة الحاج يوسف وهي تعالج ضحايا الحرب، حيث لم يسبق أن رأت مثيلاً لعدد الجرحى وفداحة الإصابات التي خلفتها المعارك.
وتروي الحسن، وهي أخصائية نساء وتوليد تعمل منذ بداية الاشتباكات، ما حدث قائلة “بدأ يوم 15 أبريل (نيسان) الماضي، يوماً عادياً جداً، ولم يتوقع أحد أن يتحول المستشفى الهادئ إلى ساحة حرب تحوم في سمائها الطائرات والقذائف، هذه فاجعة كبيرة، لقد عايشت تفاصيل فض اعتصام القيادة العامة في العاصمة يونيو (حزيران) 2019، وأسهمت في علاج الجرحى، لكن ما جرى في حرب الخرطوم مختلف تماماً، إنه أمر مرعب ومروع”.
تضيف الحسن أن “كل المستشفيات أغلقت بالكامل وغالبية الكوادر الطبية هرعت في محاولة للهرب والنجاة بأنفسها، وكان المواطنون الذين يقطنون الأحياء المجاورة في حالة ذعر وخوف خشية الموت في أية لحظة”.

“2”

وعلى رغم أن المستشفى الذي تعمل فيه هويدا بعيد عن دائرة المعارك قليلاً، فإنه لم يسلم من القصف العشوائي والطلقات العابرة. وتكشف عضو النقابة التمهيدية لأطباء السودان عن تفاصيل اليوم الثاني للاشتباكات قائلة “بمبادرة من لجنة الأطباء قررنا فتح المستشفى لمساعدة المصابين، وخرجت برفقة أخصائية وطبيبة أسنان وطالبة طب في السنة السادسة، وفور وصولنا أطلقت نداءات عاجلة في وسائل التواصل الاجتماعي لحاجتنا العاجلة إلى كوادر طبية تقطن في منطقة الحاج يوسف بالعاصمة الخرطوم أو ما جاورها لأن الشوارع، وقتها كانت مغلقة، علاوة على عدم وجود وسائل نقل”.
وتابعت “بعد ساعات استقبل المستشفى مئات من المصابين والحالات الحرجة، وانضم إلينا عدد من الممرضين وطبيب من بنك الدم، إضافة إلى لجان الأحياء، وفي الحال عقدنا اجتماعاً مصغراً وشرعنا في إجراء العلاجات اللازمة للجرحى، بينما قامت لجان الأحياء بتوفير الطعام والشراب والتأمين والترحيل”.

“3”

واندلعت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي، ولقي 13 طبيباً مصرعهم، وجرح آخرون بحسب لجنة أطباء السودان. وحذرت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء من انهيار وشيك للنظام الصحي في البلاد. وقالت إن المرافق الصحية باتت تخرج عن الخدمة.
وتتذكر هويدا الحسن مشاعر الخوف والقلق وتقول “فجأة ومن دون مقدمات، دوت الأسلحة الثقيلة وانهمرت القذائف، وعلى رغم مشاهد الرعب قدمنا الإسعافات الأولية لمئات المصابين، ولحسن الحظ وجدنا معينات طبية في المستشفى، كما واجهتنا مصاعب جمة، لأن الحالات التي كانت تأتي إلينا للعلاج تدخل الواحدة تلو الأخرى”، واستدركت أن المستشفى يشهد دخول 60 حالة يومياً بسبب القصف المتواصل، ما يتطلب إجراء عشرات العمليات.
وأوضحت الحسن أنه “مع مرور الوقت حضر إلى المستشفى طبيب جراح وأخصائي عظام، وكنا يساعد بعضنا بعضاً لمعالجة الجرحى وننظف ونعقم العملية باستمرار لنتجاوز الموجة الضخمة الأولى من الحالات الحرجة على رغم محدودية الكوادر الطبية، ونجح فريقنا في علاج المئات بعد نقلهم بسبب جروح في الرأس وكسور متعددة وإصابات في إجزاء الجسم المختلفة، وظللنا نعمل بكل همة دون كلل أو ملل وننتقل من مصاب إلى آخر للاطمئنان، ودائماً ما نسمع الدعوات لنا بالصحة والعافية”.

“4”

وتعكس حالة مستشفى “البان جديد” التي تعمل فيها هويدا واقع عشرات المشافي في العاصمة الخرطوم لأن استمرار الاشتباكات المسلحة أدخل البلاد في كارثة صحية كبيرة بجانب نقص الأدوية والمعدات.
وعن المعاناة في الأسبوع الثاني بعد اندلاع الحرب تقول عضو النقابة التمهيدية للأطباء “عدد المرضى بدأ يتزايد بعد إغلاق المستشفيات، الأمر الذي أدى إلى ضغط كبير على الطاقم الطبي الذي أصيب بإرهاق بالغ لعدم حصوله على قسط من الراحة”، مضيفة “لم ننم، ومن يجد فرصة يغفو جالساً بسبب عدم وجود مكان يستريح فيه، كنا نفكر في عائلاتنا، ماذا حل بهم؟ ولم يكن بمقدورنا اتخاذ أية خطوة لأن المرضى يحتاجون متابعات دقيقة وعلاجات مستمرة، بخاصة مرضى السكري والضغط والسرطان وغسيل الكلى والأطفال في ظل إغلاق الصيدليات ونفاد الدواء”.

“5”

وتشير هويدا إلى أن “الأسبوع الثالث شهد أوضاعاً مأسوية بعد تفشي النهب والسرقات، بالتالي لم نستطع التحرك حتى جوار المستشفى، بجانب أزمة توفر الرصيد لإجراء المكالمات مع الأسر، وبمرور الوقت تفاقمت أزمات الكهرباء والمياه ونقص الغذاء، ولم يفلح الطاقم الطبي في تبديل الملابس لمدة أسبوع أو أكثر بسبب عدم وجود الماء وخطورة جلبه من المناطق المجاورة، إضافة إلى الحاجات اليومية”.
وتعلق الحسن على الأوضاع الصحية والإنسانية قائلة “لا تختلف الحرب عن الولادة، ففي الأولى تساعد الناس على البقاء على قيد الحياة، وفي الأخرى تسهم في قدوم حياة جديدة إلى هذه الدنيا، ولذلك فتحنا قسم النساء والتوليد وحضرت إلى المستشفى عشرات الحالات وجهزنا غرفة العمليات للنساء اللائي يحتجن لعمليات قيصرية مستعجلة، لكننا استيقظنا في اليوم الثاني على أزمة جديدة لم تكن في الحسبان، وهي قطع خدمة الكهرباء والمياه عن المستشفى لفترات طويلة”. وأضافت “هناك تحديات أخرى تتعلق بالعمل، منها عدم وجود أخصائي تخدير لنجري عشرات العمليات بواسطة فنيين فقط، كما أن التعقيم لم يتم بالطريقة العملية المتبعة، علاوة على نفاد المعينات الطبية تماماً، وحتى الآن الظروف صعبة للغاية على رغم تسلم معينات من منظمة فرنسية بجانب أخرى من الصليب الأحمر، أما المعاناة الكبيرة فتتمثل في عدم توفر الكادر الطبي، إضافة إلى نفاد المحروقات، فعند انقطاع الكهرباء لا نستطيع تشغيل المولدات، ويحاول الأطباء إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ناسين أو متناسين عن قصد أن حياتهم هم أيضاً في خطر، لكن الأخطار لم تشغلهم عن القيام بواجبهم تجاه الناس وما زالوا صامدين ومرابطين في المستشفى”.

المصدر : وكالات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى