التحقيقات

مغامرات طالبين جامعيين انقذوا 60 شخص أمريكي بينهم مسؤولين ..

الخرطوم: الحوادث

جراء الاشتباكات التى اندلعت بالعاصمة الخرطوم و عدد من الولايات السودانية منذ منتصف ابريل الماضى ومستمر حتى اليوم..

سلط تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، الضوء على طالبين جامعيين من السودان وصفهما بالبطلين، لإنقاذهما ما لا يقل عن 60 شخصا عند بداية الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

خلال الأيام الأولى للأحداث الدامية التي عرفتها الخرطوم منذ منتصف إبريل الماضي، شعر الطالبان الجامعيان بالخوف من الوقوع ضحية بين الفريقين المتناحرين “لذلك حبسا نفسيهما في غرفة وعكفا على متابعة تطورات الأحداث من خلال تصفح الإنترنت” تقول نيويورك تايمز.

وفي اليوم الخامس، من بداية النزاع، أي في 19 أبريل، رن جرس الهاتف، وتبين لهما أن شخصا ما بحاجة إلى سيارة أجرة.

أوضح المتصل أن مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة، وهي امرأة في الأربعينيات من عمرها، حوصرت داخل منزلها في حي راقٍ، بينما كانت المعارك قرب بيتها طاحنة.

كان وضع السيدة يائسا، بينما قاربت بطارية هاتفها على النفاد، إذ انخفضت إلى مادون الـ 5 بالمائة.
عندها، تساءل الطالبان.. هل يمكننا المساعدة؟
كان حسن تيبوا وسامي الجادة، اللذان يدرسان في سنتهم الأخيرة من الهندسة الميكانيكية، يعملان أيضا كسائقي أجرة.
اتصل حسن هاتفيا بالمرأة، وقال في حديثه للصحيفة الأميركية إنه يتذكر أنها “كانت تصرخ” وقال “لم يكن لدينا سوى بضع دقائق قبل أن ينطفئ هاتفها، وكانت بمفردها”.
قفزا إلى سيارتهما، وانطلقا إلى المدينة التي تحولت إلى ساحة معارك وتناثرت السيارات المتفحمة في الشوارع، بينما كان المقاتلون في كل مكان وفق وصف “نيويورك تايمز”.
سارع الثنائي عبر طرق ملتوية وكان عليهما التوقف مرارا عند نقاط التفتيش التي يديرها مقاتلون تابعون لقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

قالا “لقد اطلع المقاتلون على هواتفنا وأمطرونا بالأسئلة” وقال أحدهما “استغرق السفر لأربعة أميال فقط، ساعة كاملة” بينما وصف الآخر الوضع بالقول: “لقد مررنا بالجحيم”.

في النهاية، وجدا مسؤولة الأمم المتحدة، واسمها بيشنس، وحدها في شقتها في مبنى مهجور على ما يبدو.
الصحيفة قالت إنها تحفظت عن ذكر أسماء المسؤولين الذين تم إنقاذهم لدواع أمنية وتقنية.
قالت السيدة متحدثة للشابين، إنها كانت مختبئة في حمامها لعدة أيام، واستنزفت بطاريات ثلاثة هواتف محمولة، وأظهرت لهما مجموعة من ثقوب الرصاص في جدار غرفة المعيشة.

وبعد 45 دقيقة و 10 نقاط تفتيش، توقفت سيارتهما خارج، أحد أغلى فنادق الخرطوم، والذي تحول لما أسمته الصحيفة “مخيم لاجئين من خمس نجوم”.

وبعد أن استجمعت السيدة أنفاسها وسجلت دخولها للفندق استادرت وهي تسأل “هل بإمكانكما العودة لإنقاذ آخرين؟”.
على مدار الأسبوع التالي، أنقذ حسن (25 عاما)، وسامي (23 عاما)، العشرات من الأشخاص من أعنف مناطق القتال في الخرطوم، وفقا لمقابلات مع الطلاب، أجرتها الصحيفة الأميركية.

كان البطلان يتعرضان على طول الطريق إلى مختلف أشكال التهديد، واتهمهما المقاتلون بأنهما جواسيس، بينما كانا يتلقيان رسائل من دبلوماسيين آخرين يناشدونهما فيها مساعدتهم لاستعادة جوازات سفرهم من منازلهم المحاصرة وحيواناتهم الأليفة التي تركوها هناك.
“أبطال”
خلال تلك المغامرات كانت نيران القذائف والرصاص الطائش تسقط حول وفوق سيارتهما.
قال أحد مسؤولي الأمم المتحدة بخصوص حسن وسامي: “الكلمة الوحيدة التي تصفهما هي: أبطال”.

ومثل معظم موظفي الأمم المتحدة الذين تمت مقابلتهم، تحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته لتجنب الانتقاد العلني لمنظمة فشلت، حسب العديد من الروايات، في إنقاذ موظفيها، حتى أولئك الذين يواجهون خطرا مباشرا، وفق تعبير نيويورك تايمز.
قال الرجل: “رغم كل الفوضى، الخوف، القصف، سامي وحسن هما اللذان كانا معنا فقط”.

يذكر أن حسن تيبوا الذي كان ينقذ الناس في هذه الأجواء الخطرة، لم يكن أهله على علم بأنه في السودان.

وصل حسن إلى السودان في عام 2017 قادماً من تنزانيا، حيث تدير عائلته متجراً متواضعاً للأجهزة في بلدة صغيرة على بحيرة فيكتوريا.

دخل هذا الشاب السوادن بعد أن تحصل من جمعية خيرية إسلامية على منحة لدراسة الهندسة بجامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم.
لكنه أخبر والديه أنه ذاهب للدراسة في الجزائر، مراعاة لمخاوفهم بشأن تاريخ السودان الحافل بالاضطرابات العنيفة – وهي كذبة احتفظ بها لمدة ست سنوات، لأنه لم يكن لديه ما يكفي من المال للعودة إلى الوطن.

صديق حسن، سامي، سوداني الجنسية، إلا أنه نشأ في بلدة هادئة في شمال شرق المملكة العربية السعودية، حيث كان والده ميكانيكي سيارات.

وعند لقائهما في الجامعة، أصبح الشابان صديقين، واشتغلا سويّا في عدة أعمال لتأمين إيجار شقتهما.

وكان تيبوا يقود سيارة أجرة ويقدم خدمات النقل في الغالب لمسؤولي الأمم المتحدة الأفارقة، وهو سر تواصل الدبلوماسية به.

وعند بداية الحراك الشعبي السوداني في 2019، والذي أسقط الرئيس عمر البشير، وتوالي الأحداث المتسارعة، ثم الانقلاب العسكري على إرادة الشعب بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، تعطلت الدراسة ووجد الشابان نفسيهما مجبران على العمل فقط.

وفي إبريل الماضي، انزلقت الأوضاع أكثر، بعدما بدأ الاقتتال المسلح بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما حاصرت النيران المدنيين والدبلوماسيين، رغم جهود الإجلاء التي قادتها على وجه الخصوص الولايات المتحدة والمملكة السعودية، إلى جانب البلدان الأخرى.

يذكر أن واشنطن والرياض تتوسطان كذلك بين الفريقين في محاولة لإقناعهما بضرورة توقيف الاقتتال، وبحث سبل الجلوس على طاولة الحوار للعودة إلى مسار الانتقال السياسي المتعثر.

وبعد احتدام المعارك، أمرت الأمم المتحدة، مثل معظم المنظمات، موظفيها الذين يبلغ عددهم 800 “بالاحتماء في منازلهم” إلى حين وصول الإنقاذ، لكنها لم تستطع إجلاء إلا القليل من الأشخاص في الأيام الأولى من القتال، قبل أن تتوقف عملياتها.

وفي تفاصيل عمليات الإنقاذ التي كان يقودها الشابان، قالت الصحيفة إنهما تلقيا اتصالا ذات مرة وأنقذا نحو 15 شخصا كانوا مختبئين في إحدى الشقق.

ولم يكن حسن وسامي المنقذين الوحيدين في الخرطوم، حيث هبّت لجان المقاومة المحلية، التي تم تشكيلها قبل سنوات لدفع السودان نحو الديمقراطية، لمساعدة السودانيين والأجانب على الفرار، لكن بالنسبة لبعض المحاصرين الذين تحدثت إليهم الصحيفة “كان الطالبان الخيار الوحيد”.

الحرة / ترجمات – واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى