
الحقيقة الصامتة
لا تزال أصداء جريمة قتل الطبيبة روعة تتردّد في الأرجاء، وقبلها بأيامٍ قليلة، كانت جريمة قتل طبيبة أخرى في الرياض على يد طليقها حديث المجتمع.
هاتان الجريمتان ليستا مجرد حوادث فردية عابرة، بل هما مؤشر خطير يكشف عن ظاهرةٍ متنامية ومروعة: استهداف الزوجات المعنّفات بالقتل بعد الطلاق.
لقد اعتاد مجتمعنا على التعامل مع العنف الزوجي وكأنه “أمر عائلي خاص” يجب أن يبقى خلف الأبواب المغلقة. لكن ما يحدث اليوم هو أن هذا الصمت القاتل قد تحوّل إلى رصاصٍ ينهي حياة نساءٍ ناجحات ومكافحات، كنّ يظنّن أن الطلاق سيكون بدايةً لحياةٍ جديدة بعيدًا عن العنف والتهديد.
إننا أمام معادلةٍ مفزعة: امرأةٌ تُكمل تعليمها، تحصل على شهادتها، تشغل منصبًا مرموقًا، وفي النهاية تجد نفسها تُقتل بدمٍ بارد على يد من كان يفترض به أن يكون سندًا لها.
هذا العنف ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سنواتٍ من التعنيف النفسي والجسدي والتهديد المستمر، والتي غالبًا ما يتم تجاهلها أو التقليل من شأنها.
ما يزيد الأمر سوءًا هو أن غالبية هذه الجرائم تأتي بعد حصول المرأة على الطلاق، وكأن هذا القرار يُعتبر في نظر الزوج المعنّف تحديًا لسلطته وكرامته، فيقرر الانتقام بطريقةٍ وحشية.
هذه الحوادث تُسلّط الضوء على فشل المنظومة الاجتماعية والقانونية في حماية النساء المعرّضات للخطر.
لقد حان الوقت لكي نُسمّي الأشياء بمسمياتها. ما يحدث ليس مجرد “خلافات عائلية” بل هو جرائم قتل مكتملة الأركان، تُنبئ بوجود خلل عميق في مفاهيمنا عن الرجولة والعلاقات الزوجية.
يجب أن نكسر جدار الصمت ونُدين هذا العنف بجميع أشكاله، وأن نُطالب بقوانين أكثر صرامة توفر الحماية للنساء وتُجرم التهديد والعنف الزوجي بكل صوره.
إن أرواح روعة وزميلاتها لن تذهب سُدى.
فصمتنا اليوم هو الضوء الأخضر لجريمةٍ قادمة، وحديثنا عنها هو أولى خطوات القضاء على هذه الظاهرة المروعة.