الرأي

نجاة إدريس/ زراعة الحكومة !!

خطوط عريضة

 انتظم مئات  العاملين بالشركة السودانية للكهرباء أمام وزارة الطاقة والنفط في وقفة احتجاجية نددوا من خلالها بضعف أجورهم وهددوا بالإظلام التام في مشارق البلاد ومغاربها إذا لم تتحقق مطالبهم، وكانت قد  سبقت الوقفة هذه إضرابات  جزئية وكلية  وصولاً لحالة الإظلام التام التي أعلن عنها المضربون حيث  ستتناقص الكمية الممنوحة من الميقاواطات  إلى أن نصل في يوم ما إلى صفر ميقاواط –إذا لم تنفذ مطالب العاملين بالشركة  وهم آلوف- وفي كل الولايات . ولكم أن تتخيلوا كيف ستتحول البلاد إذا نفذ الإضراب الشامل ،ولن أقول إن قطع الكهرباء عن المصانع والمدابغ والمخابز–على عظم ما ستسببه من أثر – ولكن ساّذكر بالمشافي لأن دقائق معدودات ستتسبب في كارثة لمئات المرضى الموجودين بغرف العناية المركزة والوسيطة وللحالات الحرجة !.

قبل أيام من هذه الواقعة أضرب العاملون بالصندوق القومي لدعم الطلاب –وقد أضرب هؤلاء بذات سبب عمال الكهرباء -، وقالوا في بيانهم إنهم أضربوا لضعف المرتبات ، ولأن هذا القطاع مسؤول عن الطلاب ودعمهم فإن العاملين به بالطبع لن يضربوا عن دعم الطلاب لأن صندوقهم المسمى زوراً بـ”صندوق دعم الطلاب ” كان ولازال فارغاً منذ نشأته لذلك ما كان لهم من سلاح يهددون به السلطات سوى الداخليات، ولكم  أن تتخيلوا مئات الآلاف من الطلاب الذين سيشردون من داخلياتهم بسبب هذا القرار ،ليس هذا فحسب بل هناك آلاف الطالبات من الفتيات اللائي أتين من ولايات بعيدة وليست لديهن طاقة لكي يذهبن لداخليات خاصة وليس لديهن مأوى ولا أهل في هذه المدينة فكيف العمل ؟ومن الذي تسبب في كل هذا؟

قبلها بأيام أضرب الزراعيون عن العمل وأوقفوا العمل بكل القطاعات الحكومية التي يعملون بها بعد أن نفذوا الوقفات الاحتجاجية الوقفة تلو الوقفة ثم كان لا مناص غير وقف العمل الشامل وعبر هذا الإجراء توقفت حركة الصادر والوارد من الأغذية والمحاصيل في الموانيء البرية والبحرية بسبب إضراب العاملين ولم ترجع الخدمات إلا بعد أن نفذت مطالبهم ،وبعدها اعترفت السلطات بأن الخسائر التي تعرضت لها البلاد بسبب إضراب الزراعيين كانت أكثر فداحة من تلك التي حدثت عندما أغلق مجلس نظارات البجا ميناء الثغر  والطريق القومي المؤدي للعاصمة والولايات.

قبلها بأيام  قليلة أضرب العاملون بالجامعات الحكومية لعدة شهور- عانى في هذه المدة القطاع التعليمي بالجامعات السودانية ماعانى حيث أصبحت الجامعات لا يعرف من ملامحها شيء إلا الاسم فقط  فلا معامل تعمل لغياب التقنيين ولا ورش تعمل لغياب الفنيين وأما عن البئية الجامعية فحدث ولاحرج؛ وذلك لغياب العمال، الطلاب رضوا بهذا الوضع المزري بعد أن تطاولت عليهم السنوات بسبب التظاهرات تارة وبسبب الكورونا تارة أخرى ووو…

قبل العاملين بقطاع التعليم العالي  بشهور قليلة كان قد أضرب أساتذة الجامعات الأمر الذي أجبر السلطات أن تغلق جامعاتها قسرا بعد أن أضرب أساتذة الجامعات لرداءة الرواتب التي تدفع إليهم ولم تفلح كل الوسائل والجوديات في إرجاعهم إلا عندما أقرت عضوة المجلس السيادي حينها هيكلاً خاصاً بهم رفعت بموجبه رواتبهم لا كنظرائهم في جامعات العالم ولكن ليكون وضعهم أفضل وفي قمة الهرم الهيكلي الوظيفي بالسودان.

قبلهم بشهور أضرب المعلمون في القطاع العام عن العمل وأوقفت الدراسة لأيام وأيام وفق جدول تم توضيحه للعامة بسبب ضعف رواتبهم وتطاولت فترة إضرابهم بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم سريعاً، وتأثر العام الدراسي بالإضراب هذا ولم ينفك الإضراب إلا بعد أن تحققت المطالب لاحقاً بعد شهور متطاولة ، وكذلك أضرب مصححو امتحانات الشهادة السودانية عن العمل حتى نفذت مطالبهم.

ربما لو سردت الذين أضربوا والذين ينوون الإضراب فسيدلق حبر كثيف قد يلون ماء البحر فالكل في هذه البلاد مظلوم ، والكل يبحث عن شيء يهدد به السلطات حتى تحسن له أجره الذي لا يكفي أياما تعد على أصابع اليد الواحدة ، ولكن من أطلق القمقم من عقاله وأخرج العفريت ؟ ومن للمساكين الذين بعملون “رزق اليوم باليوم! ” ، ومن للعاملين بالقطاع الخاص الذين رفض أصحابه أن يزيدوا عامليهم ولم يجد الأخيرون حيلة غير العمل معهم ، إنها الحكومة  زادت المحروقات المرة تلو الأخرى وأخرجت القمقم من عقاله وبفعلها ذاك  فكأنما  ضربت المواطن في رأسه مرات ومرات حتى أفقدته توازنه لا العقلي فقط بل والنفسي أيضاً لتخرجه من حظيرة السلام الداخلي فلها الآن أن تشرب من ذات الكأس و”ضربتين في الرأس بتوجع !” فما بالك بالحكومة التي استمرأت ضرب المواطن في رأسه فعليها اليوم أن تجني ثمار ما زرعت !..ومن يزرع حنظلاً فلن يحصد رماناً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى