
الحقيقة الصامتة:
في خضم الكارثة المفتوحة التي تبتلع السودان، تتكشف أولويات من يدّعون قيادته بطريقة صادمة ومؤلمة.
وبينما كانت مدينة بابنوسة في كردفان تسقط بالكامل، لتضيف إلى قائمة مدن النزيف والوجع، ولتُترجم سقوط الفرقة 22 مشاة إلى فصل جديد من الأسر والجوع وفقدان الأهل، كانت العاصمة المؤقتة بورتسودان تُصدر قرارات تنتمي إلى زمن الاستقرار لا زمن الانهيار.
سقوط بابنوسة ليس مجرد خسارة عسكرية، بل هو إعلان عن توسع رقعة المأساة الإنسانية التي تتجسد في صور لا تُحتمل: صفوف النازحين، فقدان الأطفال، وجوع ينهش أجساد الكبار.
كل متر يُخسر هو دليل على ابتعاد الأطراف عن هدف حماية المواطن وتأمين الأرض.
في ذات اللحظة التي يُغرق فيها السودان في دماء أبنائه، يخرج رئيس مجلس السيادة، الفريق عبدالفتاح البرهان، ليقترح تغيير علم السودان بثلاثة ألوانه التاريخية، ويُعلن البنك المركزي عن إصدار عملات جديدة فئة الألفين والخمسمئة جنيه.
هل يعقل أن تكون الأولوية الآن لتصميم راية جديدة أو طباعة نقود لا قيمة لها في المناطق المنهارة؟
هذه الإجراءات – تغيير العلم وإصدار العملة الجديدة – لها دلالة واحدة خطيرة: إنها خطوات عملية نحو تقسيم السودان وإنشاء كيان فعلي جديد في الشرق، يتخذ قرارات سيادية على أنقاض الهيكل القديم.
إنها رسالة واضحة بأن القادة يمضون قُدماً في مسار الفصل، سواء كان مدروساً أو نتيجة لفشل ذريع في إدارة الحرب.
ووسط كل هذا، لا يبقى لنا نحن، الشعب السوداني والمواطنون العاديون، إلا أن نسأل بمرارة: أين موقعنا في هذه اللعبة القاتلة؟
هل قضايا المصالح والملفات التي تُدار تحت “الطاولة المستديرة” أصبحت أهم من كرامتنا وحياتنا؟
هل نحن مجرد حطب يُحرق لتحقيق أوهام انفصالية ورؤى ضيقة؟
الأولوية اليوم يجب أن تكون لوقف نزيف الدم، لا لتغيير لون الراية. يجب أن تكون لإنقاذ الجياع والمشردين، لا لطبع عملة لن تجلب لهم الأمن.
إننا نطالب القادة في كل الأطراف بوقف هذا العبث المصيري والتوقف عن استخدام الوطن كورقة مساومة.
التاريخ لن يرحم من اتخذ قراراً سيادياً لتغيير علم أو عملة بينما كانت مدن السودان تسقط، ومواطنوه يصرخون جوعاً ووجعاً. إنقاذ السودان أهم من أي رمز أو مصلحة.



