
في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالسودان جراء الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، يشهد سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق الموازي ارتفاعًا قياسيًا غير مسبوق، ليواصل رحلة صعوده نحو حاجز الـ 3000 جنيه سوداني.
هذا الارتفاع المتسارع، الذي تجاوز 400% مقارنة بسعر الدولار قبل عامين، يعكس تدهورًا خطيرًا في قيمة العملة المحلية، وينذر بعواقب وخيمة على حياة المواطنين وقوتهم الشرائية.
صدمة في الأسواق… الدولار الجمركي يزيد الطين بلة!
وصل سعر الدولار في السوق الموازي إلى 2,845 جنيهًا سودانيًا، وهو أعلى مستوى له منذ بداية العام.
تزامن هذا الارتفاع مع إعلان وزارة المالية عن زيادة ثالثة في قيمة الدولار الجمركي منذ مطلع العام، من 2,000 إلى 2,400 جنيه، في محاولة لتقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي.
لكن هذا القرار، الذي تسبب في ارتباك واسع بقطاع التخليص الجمركي وركود في المعابر الحدودية، أثار اعتراضات التجار الذين يرون فيه عبئًا إضافيًا يزيد من كلفة الاستيراد ويؤثر سلبًا على توفر السلع الأساسية.
لماذا هذا الارتفاع الجنوني؟
تتضافر عدة عوامل لتفاقم أزمة سعر الصرف في السودان، أبرزها:
شح العملات الأجنبية وتراجع التحويلات الرسمية: أدت الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية إلى تراجع كبير في تدفق العملات الصعبة، سواء من الاستثمار الأجنبي أو التحويلات الرسمية للمغتربين.
تزايد التحويلات غير الرسمية وفقدان الثقة في الجهاز المصرفي: يفضل الكثيرون إرسال واستقبال الأموال عبر القنوات غير الرسمية، مما يضعف قدرة البنوك على التحكم في سوق الصرف ويزيد من الضغوط على الجنيه.
طباعة العملة دون غطاء نقدي: لتعويض العجز في الموازنة، تلجأ الحكومة إلى طباعة المزيد من العملة المحلية دون وجود غطاء نقدي كافٍ، مما يؤدي إلى تضخم هائل وتدهور في قيمة الجنيه.
تشير التقارير الاقتصادية إلى أن أسعار الصرف أصبحت متقلبة بشكل يومي، مع تسجيل تغييرات تصل إلى 3 مرات في اليوم الواحد، مما يعكس حالة عدم اليقين والاضطراب التي تسيطر على الأسواق المالية.
مخاوف من الانهيار الكامل… هل يكسر الدولار حاجز الـ 3000؟
بينما تحدد بعض البنوك سعر الدولار عند 2,250 جنيهًا، تحذر مؤسسات مالية دولية وخبراء مصرفيون من احتمال تجاوز الدولار حاجز الـ 3,000 جنيه قريبًا جدًا.
هذا السيناريو الكابوسي قد يؤدي إلى موجة تضخمية غير مسبوقة تهدد ما تبقى من القوة الشرائية للمواطنين، الذين يكافحون بالفعل لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
يؤكد الخبراء أن الحرب أضعفت النظام المالي بشكل كبير، وأدت إلى شلل شبه كامل في الإيرادات الضريبية، وتراجع أداء القطاعات الحيوية، مما فاقم الضغوط على بنك السودان المركزي وأفقده قدرته على التدخل بفاعلية لضبط سوق الصرف.
الحكومة تبرر… والمواطن يدفع الثمن!
من جهته، دافع وزير المالية جبريل إبراهيم عن سياسة تحرير الدولار الجمركي، مؤكدًا أنها ضرورة لتغطية العجز الناتج عن فقدان أكثر من ثلثي الإيرادات بسبب الحرب.
ومع ذلك، تتزايد الأصوات المطالبة بإيجاد حلول اقتصادية شاملة ومستدامة بدلاً من الإجراءات المؤقتة التي لا تعالج جذور المشكلة وتزيد من معاناة المواطنين.
في ظل هذا التدهور المتسارع، يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيصمد الجنيه السوداني؟ وهل ستتمكن الحكومة من إيجاد حلول جذرية تضع حدًا لهذا الانهيار وتنقذ الاقتصاد الوطني من الهاوية؟