التقارير

نيران مزدوجة: بيان صحفي حول أوضاع الصحفيات في دارفور

الخرطوم: الحوادث

منتدى صحفيات دارفور

بيان مهم حول أوضاع الصحفيات في دارفور منذ 15 أبريل

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، تحولت دارفور إلى واحدة من أخطر المناطق للعمل الصحفي، وبشكل خاص للنساء العاملات في هذا المجال. الصحفيات في دارفور يُواجهن اليوم حربًا مزدوجة: قصف لا يرحم من جهة، واستهداف جندري ممنهج من جهة أخرى.

نحو 150 صحفية وإعلامية من دارفور يعشن اليوم واقعًا مأساويًا:

نزوح جماعي، لجوء قسري، صمت إجباري، عمل تحت أسماء مستعارة، وفقدان شبه كامل للوظائف بعد انهيار المؤسسات الإعلامية. والأخطر من كل ذلك: التحرش الجنسي، التهديد بالاغتصاب، وتكميم الأفواه عن طريق الخوف والعنف.

الأرقام تكشف صورة صادمة:

في ولاية شمال دارفور، التي تُعد اليوم من أخطر المناطق للعمل الصحفي في السودان، لا تزال المنطقة في معارك ضارية بين الأطراف المتصارعة و وجوع متفاقم ينهك السكان.

ورغم ذلك، تم توثيق وجود ما لا يقل عن 13 صحفيات يواصلن العمل في هذه البيئة القاتلة. كثيرات منهن ينشرن تقاريرهن بأسماء مستعارة لحماية أنفسهن من الاستهداف، بينما اضطرّت أخريات للتوقف عن العمل تمامًا، بعدما أصبح البقاء على قيد الحياة أولوية تسبق حرية التعبير.

في ولاية وسط دارفور، بمدينة زالنجي، لا تزال 11 صحفية فقط صامدات في وجه ظروف بالغة القسوة. تسع منهن يواصلن عملهن في الإذاعة المحلية والمواقع الإعلامية المحلية متحديات انعدام الأمن وخطر الرقابة القبلية والخطر المباشر ، بينما اضطرت اثنتان إلى التراجع عن المهنة كليًا، والبحث عن مسارات بديلة خارج المجال الإعلامي، نتيجة للاستهداف المتكرر وبيئة الخوف التي تُفرض فيها قيود تحريرية صارمة تُجهض أي محاولة لممارسة الصحافة بحرية.

أما في ولاية غرب دارفور مدينة الجنينة، فلم يتبقَ سوى 15 صحفية وإعلامية فقط، يواصلن عملهن وسط ظروف أمنية معقدة وشبه معدومة للسلامة.

يمارسن المهنة في بيئة تخلو من الحرية والاستقلالية، حيث تُفرض عليهن قيود صارمة تحول دون تغطية الانتهاكات أو الحديث عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة.

أي محاولة لكسر هذا الصمت المفروض يعني المخاطرة بالتعرض للملاحقة، أو التهديد المباشر ، مما يحوّل العمل الصحفي هناك إلى معركة يومية للبقاء.

وفي ولاية جنوب دارفور، مدينة نيالا، فقد فقدت حوالي 20 صحفية مصدر دخلهن الوحيد بعد توقف المؤسسات الإعلامية وانهيار البنية الصحفية في المدينة.

واضطرت أخريات إلى اللجوء لأعمال بديلة بعيدة تمامًا عن المهنة التي لطالما احترفنها، في محاولة لتأمين الحد الأدنى من سبل العيش.

يعكس هذا الواقع المأساوي حجم الانهيار الذي أصاب الحقل الإعلامي، وكيف تحولت الصحافة هناك إلى مهنة محفوفة بالخطر، تُمارس بلا حماية، ولا ضمانات، ولا أفق واضح للعودة.

اما ولاية شرق دارفور، مدينة الضعين، وضع الصحفيات يعكس حالة من الصمت القسري المفروض بقوة الخوف .

إذ تواصل العديد من العاملات في المجال الإعلامي أداء مهامهن في ظل قيود صارمة، تُفرَض على كل ما يُقال أو يُكتب. يعملن في بيئة لا تتيح هامشًا حقيقيًا للحرية،مما يجعل الاستمرار في العمل أقرب إلى المجازفة اليومية.

توجد عشرات الصحفيات والعاملات في المجال الإعلامي داخل إقليم دارفور، يصعب الوصول إليهن أو التواصل معهن بسبب انقطاع الاتصالات، وتعطل الإنترنت، وتدهور الأوضاع الأمنية.

كثيرات منهن يعملن في ظروف معزولة تمامًا، دون أي دعم أو حماية، وبعضهن مفقودات أو لا يُعرف إن كنّ ما زلن على قيد الحياة. هذا الانقطاع لا يحجب أصواتهن فقط، بل يطمس حقائق ميدانية حيوية يعجز الإعلام عن توثيقها.

ولا يمكن الحديث عن واقع الصحفيات في دارفور دون استحضار ثمن الدم الذي دُفع في صمت. فقد اغتيلت صحفيتان خلال الحرب، في 30 يونيو 2023، قُتلت الصحفية سماهر عبد الشافع إثر سقوط قذيفة على مخيم للنازحين في ولاية وسط دارفور، حيث كانت تبحث عن مأوى.

أما في 4 أكتوبر 2024، فقد قُتلت الإعلامية منى صديق جابر، التي كانت تعمل في المجلس الأعلى للثقافة والإعلام بولاية شمال دارفور، جراء قصف جوي استهدف منطقة الكومة.

رحلتا بصمت، كما تفعل كثيرات، تاركتين خلفهما جرحًا مفتوحًا في ذاكرة الصحافة السودانية.

المشهد الأخطر أن الصحفيات العاملات في مناطق سيطرة الجيش أو الدعم السريع يتقاسمن الخوف ذاته. لا فرق كبير بين البزات العسكرية حين يكون الهدف هو إسكات النساء.

المواد الإعلامية تمر عبر بوابات غير مرئية من الفحص، والاعتراض، والتهديد. وإذا تمردت الصحفية على هذا الخط، فإنها تُقصى، أو يُزج بها في دائرة الخطر لا أحد يضمن سلامتها، ولا حتى نفسها حسب إفاداتهن وبذلك.

التهديدات لا تقتصر على العمل الميداني فقط، بل تمتد إلى الحياة اليومية، حيث تؤكد تقارير أن 10% من الصحفيات من دارفور تعرضن لتحرش أو تهديد جنسي بسبب مهنتهن. هذا الاستهداف الجندري يستخدم كوسيلة لإسكات النساء وإبعادهن عن المشهد الإعلامي.

الوجع يمتد إلى الخارج أيضًا ، أكثر من 50 صحفية فررن من دارفور. وجدن أنفسهن في دول اللجوء بلا أوراق ، بعضهن يشاركن في تدريبات متفرقة، و أخريات يحاولن الكتابة لوسائل إعلام دولية ، لكن 95% منهن بلا وظائف مستقرة. بعضهن تُمارس مهنًا لا علاقة لها بالإعلام وبين كل هذا، لا يزال في داخلهن صوت، يئن، ولا يُسمع.

هذا الوضع لا يهدد حرية الصحافة فحسب، بل يهدد الحق في الحقيقة بالنسبة لملايين المدنيين في دارفور الذين يعتمدون على الصحفيات والإعلاميات في نقل معاناتهم. غياب أصوات النساء من الإعلام يعني تغييب نصف المجتمع عن المشهد، وحرمان الضحايا من منصة توصل صوتهم إلى العالم.

إن نقابة الصحفيين السودانيين اليوم مطالبة بأن تتجاوز حدود البيانات و التقارير الرمزية، لتقود جبهة ضغط مهنية قوية على المستويين المحلي والدولي، عبر إصدار مواقف علنية، وتوثيق الانتهاكات بشكل منهجي، والمطالبة العاجلة بفتح تحقيقات مستقلة في قضايا استهداف الصحفيات، خصوصًا في إقليم دارفور.

فدورها لم يعد خيارًا، بل واجبًا مهنيًا وأخلاقيًا، إذ أن صمتها أو بطء تحركها قد يُقرأ كقبول ضمني باستمرار الانتهاكات، ويقوّض قدرة الصحفيات على المقاومة، ويجعل من البقاء في الميدان مخاطرة لا يمكن احتمالها.

ومع ذلك، إننا نطلق هذا التحذير الصريح:
لا بوصفنا ضحايا، بل بوصفنا حاملات الحقيقة.

تدخل المؤسسات الصحفية الدولية بشكل عاجل لتوفير آليات حماية ودعم، وضمان بقاء صوت الصحفيات في دارفور حاضرًا في زمن الحرب.

كما نطالب بإنشاء ممرات آمنة وإجراءات حماية خاصة للصحفيات في الفاشر ، وتقديم دعم عاجل لمن يواجه الملاحقة، بجانب برامج دعم نفسي للتعامل مع الصدمات والانتهاكات الجندرية التي يتعرضن لها.

كما ندعو إلى توفير فرص تدريب بديلة تضمن للصحفيات الاستمرار في العمل دون أن يصبحن رهائن للرقابة أو الدعاية القسرية.

و نناشد المنظمات الإقليمية والدولية أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية تجاه ما يقارب 150 صحفية وإعلامية من دارفور، وأن تتعامل مع وضعهن كقضية عاجلة ضمن أولويات حرية الصحافة في مناطق النزاع.

إن بقاء الصحفيات تحت رحمة أطراف الحرب، بلا حماية ولا دعم، يعني أن العالم يخسر الحقيقة ويصمت على تغييب أصوات نسائية شجاعة تقف في الخطوط الأمامية.

إن حماية الصحفيات في دارفور اليوم ليس مجرد تضامن مهني، بل هي معركة لحماية حرية التعبير وحق المجتمعات المحلية في أن تُسمع مأساتها للعالم.

و تجاهل هذه الحقائق يفتح الباب لمزيد من الانتهاكات ويعرض حياة عشرات الصحفيات للخطر المباشر.

dwjournalistsfrom@gmail.com

الاثنين الموافق 1سبتمبر 2025م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى