
الشمالية : هشام الشيخ الشمين
هل تخيلت يومًا أن تصبح الكهرباء رفاهية بعيدة المنال في القرن الحادي والعشرين؟ هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه الولاية الشمالية في السودان، حيث تستمر “برمجة القطوعات المقصودة” لستة أيام في الأسبوع، لتغرق حياة المواطنين والنازحين في ظلام دامس وتجاهل مؤسف لمعاناتهم.
إنها ليست مجرد أزمة كهرباء، بل هي مؤشر خطير على فقدان هيبة الحكومة وعجزها عن توفير أبسط الحقوق لمواطنيها.
في ظل هذه الكارثة الإنسانية، لا يبدو أن هناك مكانًا للمرضى في غرف الطوارئ والعناية، ولا للأطفال في المدارس، ولا للمسنين، ولا لأصحاب الأمراض المزمنة ومرضى غسيل الكلى على خارطة اهتمام حكومة الولاية.
حتى موردها الاقتصادي الأهم، الزراعة، يتراجع ويتخلى عنه أبناؤه بسبب فشل الخطط الحكومية التي حولت المشاريع الواعدة إلى مجرد ذكريات.
إنها مفارقة محيرة؛ فبينما يتقاضى مديرو وعاملو إدارة الكهرباء رواتب وحوافز شهرية وأسبوعية دون وجه حق، يقفون عاجزين أمام الأزمة المتفاقمة، بل ويطالبون المالية والمواطنين بالمزيد! والأكثر إثارة للاستياء هو صمت هذه الإدارة المطبق حول أسباب الانقطاعات في الولاية الشمالية، بينما تنشط في إصدار البيانات والتصريحات بخصوص أعطال مدن أخرى.
لقد دخلت كهرباء جمهورية مصر الخدمة، ولم يطلب المواطن سوى أن تقوم الإدارة بواجباتها، ولكن بين غياب الكفاءة وسوء الإدارة، تتضاءل حقوق مواطني الولاية.
ما زلنا بعد “ملحمة الكرامة” نرزح تحت وطأة عقلية “القرابة والمعرفة والصداقات” في كثير من مؤسسات الحكومة، حيث تُقصى الكفاءات ويكافأ العجز، وتتكرر الكوارث تباعاً.
إن مديري أقسام الكهرباء بالولاية، الذين لم تهزهم تضحيات الشعب وقواته المسلحة في الخطوط الأمامية للقتال، لن يتحرك فيهم حس المسؤولية تجاه معاناة المواطن.
لقد حان الوقت لتغيير جذري؛ على حكومة الولاية أن تعيد هيبتها وأن تبدأ باستبدال المديرين الحاليين للكهرباء بكفاءات حقيقية قادرة على تحمل المسؤولية والنهوض بالولاية.
فهل ستستجيب الحكومة لنداء المواطنين قبل فوات الأوان؟